عد أربعين عاماً على ضياع القدس وأسر الأقصى، وما يقرب من ستين عاماً على اغتصاب اليهود لفلسطين، ونحو تسعين عاماً من احتلال الإنجليز لها، وما يزيد عن قرنٍ ونصف من بداية التآمر عليها، بالتخطيط لما صار يسمى بـ (أزمة الشرق الأوسط)، وبعد تضحيات ضخمة في حروب كبرى فاشلة، وتنازلات فادحة في عمليات (سلام) خاسرة..، بعد كل ذلك؛ هانحن نرى تلك الأزمة تقـف بأطـرافها عنـد طـريـق مغلق وأفـق مسدود، وأمـل لا رجاء به إلا في رحمة الله اللطيف بعباده.
حصار متواصل يُشارك فيه القاصي والداني، وتآمر جديد يتحالف فيه القريب مع البعيد، وأعداء جُدد في الداخل لا يقلون شراسة عن أعداء الخارج، وأعباء حياتية إلى جانب التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، وتلاعب ومكر ونفاق على أعلى مستوياته الرسمية، وابتزاز وانتهازية من الفرق البدعية.. قتل وأسر، هرج ومرج، ونار وتضييق ودمار، دون قدرة على نصرة من قريب أو بعيد! ولم يعد هناك مخرج إلا الهروب.. نعم.. الهروب إلى الله، بل الفرار إليه، فهذا هو المخرج أيها المجاهدون والمرابطون: {فَفِرُّوا إلَى اللَّهِ} [الذاريات: 50].
إنَّ الفرار إلى الله في هذه المرحلة ليس سيراً إلى مجهول، أو ذهاب إلى عدم؛ بل إنه انطلاق جديد مطلـوب، وفق خـطٍّ إلهي محسـوب؛ أظهرته الآيات، وفصَّلـته الأحاديث، وبيَّنـتْه مجريـات السـنن الإلـهية في القديم والحديث. إنه طـريـق لا يمكن أن تكـون له نهـاية إلا النصـر بـإذن الله، بل النـصر القريب؛ لأنه طريق طائفة اقترن اسمها بالنصر؛ هي الطائفة المنصورة التي أخبر النبي أنها ـ وإن تفرقت بعض الأزمان في بعض الأمصار ـ ستتركز مع مـرور الزمن في بلادكم وحول بلادكم.. يا أهل فلسطين!
لن أخوض في هذه المقالة في تحاليل السياسة وتشعباتها وتقلباتها، وبخاصة في الآونة الأخيرة؛ فقد أصبح الأمر أكبر من حِيَل الساسة وأعقد من دهاليز السياسة التي لم تعد توصل إلا إلى طريق التيه، ومع تلك الورطات والارتباكات فإن الأمر يتجه بقوة نحو الوضوح العقدي الصارخ على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية، بحيث صارت المواقف واضحة وضوح الشمس: قوم معتدون مغتصبون كافرون؛ هم اليهود وحلفاؤهم من النصارى، يتواطأ معهم ويدخل في حلفهم ظاهراً أو باطناً أقـوام زائغـون منافقـون، في خطة فساد وعناد، تهدف في النهاية إلى إسكات صوت الإسلام في فلسطين، ولكن.. هيهات!
سأخصص هذه المقالة في تلك العجالة للتذكير بأمور، أعلم أن الكثير منها ليس بجديد، ولكن متى كانت الذكرى تحتاج لجديد؟! فأعظم الذكرى التي تنفع المؤمنين إنما تكون بالأمر العتيد الذي كثيراً ما نغفل عنه في زحمة الأحداث وتقلبات المراحل وتلبيسات الشياطين.